التهاب القنوات الصفراوية الأولي والذي كان يُعرف سابقًا بمرض التشمع الصفراوي الأولي، هو أحد أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الكبد، وينتج هذا المرض عن التلف التدريجي في القنوات الصفراوية الصغيرة، وهذا يُسبب تراكم السموم الصفراوية والعديد من السموم الأخرى في الكبد.
وقد تتساءل ما هي هذه القنوات الصفراوية؟ وما أهميتها؟ القنوات الصفراوية هي قنوات تتواجد في الكبد لإنتاج مادة يُطلق عليها الصفراء، وهذه المادة تُساهم في عملية الهضم وتُساعد في امتصاص بعض أنواع الفيتامينات كما أنها تُخلص الجسم من الكوليسترول والسموم وكريات الدم الحمراء التالفة، ومن هذه الوظائف يُمكن تخمين ما سيُصيب الجسم من مضاعفات خطيرة نتيجة إصابة القنوات الصفراوية بالتهاب.
يبدأ التهاب القنوات الصفراوية الأولي عندما تبدأ أنواع معينة من خلايا الدم البيضاء تُسمى الخلايا التائية (T cells) في التجمع في الكبد، وهذه الخلايا المناعية في وضعها الطبيعي هامة لقتل الجراثيم البكتيرية والفيروسة، لكن في حالة التهاب القنوات الصفراوية الأولي، فإنها تُدمر الخلايا السليمة التي تبطن القنوات الصفراوية الصغيرة في الكبد.
زيادة التلف في القنوات الصفراوية يومًا بعد يوم يؤدي إلى التندب أو التليف في الكبد كاملًا.
أعراض التهاب القنوات الصفراوية الأولي
لا يُعاني المُصاب من أي أعراض في بداية إصابته بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي، وتظهر الأعراض بعد الإصابة بنحو 5 - 10 سنوات، وإن كان الشخص محظوظ فقد يتم اكتشاف المرض أثناء إجراء تشخيص لحالة أخرى للجسم، فيكتشف الطبيب عن طريق الصدفة الإصابة.
تمثلت أبرز أعراض التهاب القنوات الصفراوية حال ظهورها في الآتي:
· جفاف العينين والفم.
· ألم في الجزء العلوي الأيمن من البطن.
· آلام في العظام.
· آلام في العضلات والمفاصل.
· تضخم الطحال، ويُمكن معرفة ذلك بالاستلقاء على الظهر وتحسس مكان الطحال ليظهر أن في المكان انتفاخ، وقد يكون الطبيب أمهر في الكشف عن ذلك.
· تورم القدمين والكاحلين
· تعب دون وجود مُسبب لذلك.
· حكة في الجلد بجميع أنحاء الجسم.
· انتفاخ البطن، وذلك سبب تراكم السوائل في البطن نتيجة فشل الكبد.
· اليرقان، والذي يظهر باصفرار لون الجلد وبياض العيون وباطن القدمين وباطن اليدين.
· فرط تصبغ الجلد بالرغم من عدم التعرض لحروق من أشعة الشمس.
· الإسهال، وقد يكون الإسهال دهني.
· الغثيان.
· تغير لون البول ليُصبح داكن.
· نتوءات صغيرة صفراء أو بيضاء تحت الجلد أو حول العينين.
· فقدان الوزن غير المُبرر.
أسباب وعوامل خطر التهاب القنوات الصفراوية الأولي
فلنتعرف فيما يأتي على سبب الإصابة بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي وعلى أبرز عوامل الخطر التي تزيد من فرصة الإصابة به:
1. سبب الإصابة بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي
لا يوجد سبب معروف لهذا المرض، فهو كغيره من أمراض المناعة الذاتية يبدأ الجسم فجأة بمهاجمة خلاياه وإحداث خلل فيها، وفي حالة التهاب القنوات الصفراوية الأولى يبدأ الجسم بمهاجمة القنوات الصفراوية بالتدريج وببطء إلا أنه مع السنوات العديدة من هذا الهجوم يتشمع الكبد.
الجدير بالذكر أن التهاب القنوات الصفراوية الأولي عادةً يترافق مع أمراض مناعة ذاتية أخرى، ومن أبرزها:
· أمراض الغدة الدرقية.
· التهاب الكبد المناعي الذاتي.
· تصلب الجلد.
· مرض رينود.
· متلازمة شوغرن
2. عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي
تمثلت هذه العوامل في الآتي:
· الجنس
وُجد أن النساء يُصبنّ بهذا المرض أكثر من الرجال، حيث أن 90% من مجموع الإصابات الكلي هي من النساء، إذ تُشير التقديرات الطبية أن النساء المُصابات بالتهاب القنوات الصفراوية الأولى تتراوح 65 من بين 100000 امرأة، أما الرجال فتتراوح نسبة الإصابة بالمرض 12 من بين 100000 رجل.
· العمر
الفئة العمرية المحصورة بين 35 - 60 عامًا تنتشر بينهم الإصابة أكثر من الفئات العمرية الأخرى.
· الوراثة
يعتقد الخبراء أن الجينات الوراثية لها دور في هذا المرض، لذا يُمكن تواجد المرض بين أكثر من فرد بذات العائلة.
· الأصول العرقية
وُجد أن الأشخاص المنحدرين من الأصل الإفريقي يُعانون من هذا المرض أكثر من غيرهم.
· عوامل أخرى
تمثلت هذه العوامل في الآتي:
o التدخين.
o التعرض لمواد كيميائية.
مضاعفات التهاب القنوات الصفراوية الأولي
تمثلت أبرز مضاعفات التهاب القنوات الصفراوية الأولي في ما يأتي:
1. التهاب المسالك البولية
يُعاني المُصابين من التهاب القنوات الصفراوية الأولى من التهاب في المسالك البولية بشكل مُتكرر، فبعد كل مرة علاج لهذا الالتهاب يعود مُجددًا.
أحيانًا يمتد هذا الالتهاب إلى الكلى مُسببًا فيها العديد من المشكلات الصحية الخطيرة.
2. هشاشة العظام
الشخص المُصاب بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي يُعاني من هشاشة العظام ولينها، وهذا الأمر يجعله يتعرض للكسور المتكررة.
3. ارتفاع ضغط الدم البابي
ينتقل الدم من الأمعاء والطحال والبنكرياس إلى الكبد من خلال وعاء دموي كبير يسمى الوريد البابي، وعندما تمنع الأنسجة المتندبة من تليف الكبد تدفق الدم الطبيعي عبر الكبد نتيجة الإصابة بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط داخل الوريد مشكلًا ذلك العديد من المشكلات الصحية.
4. مضاعفات أخرى
تمثلت المضاعفات الأخرى في الإصابة بالآتي:
· قصور الغدة الدرقية.
· ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
· نقص الفيتامينات الذائبة في الدهون.
· سرطان الكبد، وهذا يحدث في المراحل التي تقدمت جدًا تدون أن تُعالج.
· حصوات المرارة.
· تشمع الكبد.
· اعتلال الدماغ الكبدي.
· اضطرابات في الجهاز الهضمي.
تشخيص التهاب القنوات الصفراوية الأولي
تمثلت طرق تشخيص التهاب القنوات الصفراوية الأولي في الآتي:
1. الفحص البدني
يُجري الطبيب الفحص السريري للمريض، ويسأله عن الأعراض التي يُعاني منها، وعن تاريخ عائلته المرضي، ليوصي الطبيب بعد ذلك بمجموعة من الاختبارات تختص بالكبد.
2. فحصوات الكبد العامة
يتم إجراء فحوصات الكبد الآتية جميعها أو بعض منها، وفي حال ارتفاع نتيجة أحد الفحوصات عن الطبيعي فإن الجسم يُعاني من أحد أمراض الكبد، لكن مع ذلك لا يُمكن تحديدها إلى بالمزيد من الفحوصات:
· إنزيم ناقلة أمين الألانين.
· إنزيم ناقلة أمين الأسبارتات.
· البيليروبين.
· إنزيم ناقلة الببتيد غاما غلوتاميل.
· إنزيم نازعة هيدروجين اللاكتات.
· زمن البروثرومبين.
· إنزيم الفوسفاتاز القلوي.
· الألبومين والبروتين الكلي.
3. فحص الدم للتحقق من وجود الأجسام المضادة للميتوكوندريا.
فحص الدم للتحقق من وجود الأجسام المضادة للميتوكندريا هو فحص يختص بالكشف عن المرض بشكل كبير، حيث لا توجد هذه الأجسام المضادة للمينوكندريا إلا عند الإصابة بهذا المرض.
بالرغم من نجاعة هذا الفحص إلا أنه في بعض الحالات النادرة قد لا يُظهر تلك الأجسام المضادة للميتوكندريا بالرغم من الإصابة بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي.
4. التصوير الموجات فوق الصوتية
تُمكن الموجات فوق الصوتية الأطباء من رؤية أي نتائج غير طبيعية متواجدة في الكبد، لكن أيضًا هذا التشخيص لا يختص بالتهاب القنوات الصفراوية الأولي، وإنما هو فحص عام لصحة الكبد، ويُمكن التطرق له بين كل حين وآخر لمعرفة ما يؤول له الكبد من تغيرات مرضية مع مرور الوقت.
علاج التهاب القنوات الصفراوية الأولي
لا يوجد علاج معروف لالتهاب القنوات الصفراوية الأولي، والعلاج الموصوف من قِبل الطبيب يهدف إلى تخفيف حدة الأعراض والمضاعفات وإلى تأخير تليف الكبد قدر المُستطاع، لذا فيما يأتي سيتم ذكر علاج هذه الأعراض والمُضاعفات:
1. علاج الصفراء الكبدية
يصف الطبيب الأدوية التي تعمل على تحريك الصفراء الكبدية المحملة بالسموم إلى خارج الكبد، ومن أبرز هذه الأدوية حمض أورسوديوكسيكوليك.
2. علاج الحكة الشديدة
يصف الطبيب لعلاج هذا العرض كل من الأدوية الآتية:
· مسكنات الألم.
· الأدوية المُضادة للحكة، والتي من أبرزها: هيدروكسيزين، وكوليسترامين
3. علاج هشاشة العظام
يعالج الطبيب هشاشة العظام بالطرق الآتية:
· التوصية بممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
· وصف بعض الأدوية التي تُساهم في علاج الحالة، ومنها: أليندرونات، وحمض ريزدرونيك.
4. العلاج النهائي
في حال وصول الكبد إلى مرحلة متقدمة من التليف ولا يُمكن لأي دواء أن يُخفف من الحالة، فإن الحل المطروح طبيًا هو زراعة الكبد، والذي يُمكن أن يؤخذ جزء منه من إنسان على قيد الحياة أو أخذ الكبد كاملًا من إنسان متوفى لزراعته.
الوقاية من التهاب القنوات الصفراوية الأولي
لأن التهاب القنوات الصفراوية الأولي من الأمراض المناعية الذاتية غير معروفة السبب، فإن الوقاية منها أمر صعب، لكن يُمكن باتباع أنماط صحية محددة بالرغم من الإصابة بالمرض أن تُقلل من حدته، وأبرز هذه الأنماط:
· الإقلاع عن التدخين.
· تجنب استهلاك الكحول قطعًا.
· التوقف عن تعاطي المخدرات، والخضوع لعلاج مُكثف من الإدمان.
· تناول الأدوية بدقة كما وصفها الطبيب.
· تناول أطعمة صحية التي تمتاز بغناه بكل من الفيتامينات والمعادن الآتية على وجه الخصوص:
o فيتامين أ.
o فيتامين د.
o فيتامين ك.
o فيتامين هـ.
o الكالسيوم.
o البوتاسيوم.
o الصوديوم.
· الابتعاد عن الأطعمة الضارة، وخاصة اللحوم المصنعة والأطعمة المقلية.
· ممارسة الرياضة بانتظام بما لا يقل عن 30 دقيقة يوميًا.